كانت الرسالةُ عابقةً برائحةِ خبرٍ جميلٍ تأرجح أريجُهُ بين حنايا السطورِ لينثرَ عطراً فواحاً يداعب خجلاً عتبة الكلمات، ويبشر بقرارٍ أثقلته الزهورُ والفراشاتُ زهواً وبهجة.
لقد دقت الساعةُ وحان وقتُ القطافِ وتذوّقِ الجنى.
تباركت الحجارةُ التي تـشـيدُ صـرحَ ثقافةٍ، وتُـحـيي تراثاً، وتسترسلُ على أريكتها رايةُ الشعرِ والأدب. لإنها حقا شامخةُ الرأس تتوجُها أبداً وقفةُ عزٍّ اتكأت فخراً على صولجانِ الثقافة، وتلاقت معه على حبٍ امتلأ زهواً بنور تراثٍ شـعَّ قنديلُهُ على كل مبدع وفي ركنِ منزلٍ رعى أدباً، وأشاد شعراً، وغرد تراثا.ً
انه منزل البعيني- منزل ذو عراقةٍ ثقافيةٍ ترسخت جذورُها في روح الشعرِ وقلبِ القصيدة، وحفرت تراثا أزليا على جذع شجرةٍ قديمةٍ ناجت بأريج أيكِها بيارقَ الادب. رُبَ بيتٍ قدَسَتهُ الكَلمة وأنارته القصيدةُ، وتمايلت ورودُهُ خجلاً بين حقولِ العنبرِ والياسمين نافحةً عطرَ الثقافةِ لكل امرىء غرد للحبِ وأحب الشعرَ وتفيّأ بالأدب.
سمعتُ صوتاً دافئاً يناديني. لكِ عندي بشارةٌ سارة. لقد وقع الاختيارُ عَلَيْكِ من بينَ عدةِ مرشحين وقررنا ان نمنحكِ ..."جائزة الشاعر شربل بعيني"... وذلكَ تقديراً للجهودِ الثقافيةِ الجبارة التي تقومينَ بها وبالأخص الجهود المبذولة للحفاظ على الأدب المهجري من الإندثار. مباركُّ لكِ بهذا القرار والى المزيد من العطاءِ والإيـثـار.
كم كانَ الخبرُ ساراً ومفرحاً إستنشقتُ منه أريجَ النجاحِ وارتشفتُ رحيقَ الابداعِ. أشعرُ برهبةِ السكينةِ من حولي. إنه لشعورٌ مقدس. كم لفَني الشوقُ الى معانقتها. كم تنفستُ معها نفحاتِ الشعر وتذوقتُ عذوبةَ قوافيه.. هيَ التي كانت ترافقني في مواسم الزرعِ وعلى بيادرِ الحنين لنجني سويا قطافَ النجاحِ والتألقِ والإبداع.
إصغِ لقلبي يا إلهي!.. لتسمعَ نِداءَ شعرٍ انهكتهُ هموم العمرِ وزنرتْ قوافيه وحشةُ الغربةِ. هذا القلبُ الذي ينبضُ شعراً مع كل لمسةِ أملٍ وفي اشراقةَ صباحٍ حَمَلَ نسمةً داعبتْ خدودَ النرجسِ لتزهرَ عطراً فواحاً ينعشُ الروحَ ويبعثُ الأملَ ويدعو الى المثابرةِ على العطاء.
كمْ هيَ ثمينةُّ هَذِهِ الأمانةُ التي سُلِمَت ْ إليَّ. كم هو ثقيلُّ هذا الحِمْلُ الثقافي الذي وُضِعَ على كتفيَّ. إنَها أمانة من شاعرٍ مَنَحَنِيْ فخراً جائزتهُ. هي التي تُوِجَتْ بأدَبهِ، ورُصِعتْ زهواً باسمهِ. إنَهُ حقاً لواجبٌ مقدسُّ بأن أكنَّ الإحترام للجائزة ومانحِها. أجَلْ - يجبُ أن أصونَ الأمانة. أجَلْ يجبْ ان أتابعَ المسيرةَ الثقافيةَ التي عُهدت إليَّ وأنهلَ منَ المعرفةِ إبداعاً ومنَ النجاحِ ثماراً ومنَ الثقافةِ أدباً، ومن الشعرِ قافيةً، وأواصلَ مسيرتي الثقافية بخطواتٍ ثابتةٍ وواثقةٍ بأنها سترتقي الى المجدِ بغيةَ تحقيقِ الهدفِ الجوهريِّ للشاعر وهو ..."الحفاظُ على الأدبِ المهجريِّ"... وإكمالُ الرسالةِ الثقافيةِ التى سارَ على خطاها البعيني ولا يزالُ ينهلُ من عطائها ليومنا هذا.
إني على الدربِ سائرةٌ ايها الشاعرُ الجليلُ، فلكَ مني العهدُ على أنني سأصون الأمانة.