رباعيات

"الطبعة الرابعة ٢٠١٦"
   ما أجمل الكتابة في الليل، وبالأخص عندما تنساب الكلمات الرقيقة من قلم في وقت تعانق فيه الظلمة سنا الصباح لتعلن ولادة  باكورة الكلمة. إنها السكينة التي تحرك المشاعر والقريحة  لتزهر أدباً، وتمطر شعراً، وتنبت كتباً ذات قيمة فكرية عميقة وملفتة. 
   الشعور بالغبطة هو بالطبع شعور مقدس، يعانق الفرح، ويدعو النفس لمناجاة الهدوء.
   آه منك يا زمن.. في كل مرة  أفتح باباً من أبواب الثقافة تفاجئني بأبواب أخرى شائكة، وبعالم ثقافي جديد يتطلب زمناً آخرَ وجهداً جهيداً لفهم محتواه. وها أنا حقاً أقول: العلم راية، والثقافة نور لمن اهتدى. وها أنا  الآن أنهل العلم والأدب والثقافة والشعر من دواوين تماشت مع العصر، والظروف، والزمن، ولامست أطرافها، ثم قبعت في صدر منزلي، وألتفت حولي، وفي ثنايا مكتبي. يا لها من دواوين قيمة. لقد كتبت بقوة الحرف وسحره، وبقلم شاعر عاصر النور، وانصهر بالأدب، وعانق الكلمة لتزهر ديواناً يزهو في المكتبات وتتناقله الايدي التي تعشق الشعر والغزل.
   إتكأ ..."بيت المعنى"... مداعباً ومناصراً وسائلاً شاعراً تغنى به ونهل من خضم أفكاره لتشرق أبياته في كل زمن كمنارة للعشاق ولمحبي الشعر. 
   ما الخطب يا شربل بعيني؟... أين الشعراء الاجلاء؟.. أين مناصرو المعنى؟. 
وعدنا الْيَوْم بشعر المعنى
بنينا مجد اعلى من المجرة
وفتحنا بالزجل دنيا جديدة
...الشاعر خليل روكز ...
   أريد جوابا أيها الشاعر الجليل.. ماذا جرى للزجل؟ هل هو عصر الشويعر؟ هل الذي يقال شعرٌ ؟ هل الذي يطبع ديوان ؟ لم الصمت عن الحق؟ لم ولن أدفن مرتين...
وإيدين تهدر نار يوم المرجلي...
...شطر من اغنية لسفيرتنا الى النجوم السيدة فيروز...
   ألست أنت الساهر على الشعر؟ ألست انت يا بعيني من عاصره وحفظه من الاندثار؟ ألست انت الشاعر الذي زرع أبياته في روض من الزهور، ليبسم شعراً يرنو به الى حبيب ألهبته نار الهوى، ليطفئها لاحقا ندى ربيع انطوى على رحيق زهرة، ليزهر عشقا وغراما؟ 
   ألستَ أنتَ منْ كانَتْ ابيَاتِهِ قوتاً لأفراد قومٍ سكَنَ العشقُ  بين جدرانِ ايكِهمْ المهجور ليزهرَ املاً؟
الست انت القائل: 
الشِّعرْ مَنُّو شِعرْ مِنْ دُونِي
وْلاَ كَانْ هَزّ مْشَاعِر الإِنْسَانْ
لَوْ مَا عَ أَرْضُو إِسْكُب عْيُونِي
حَتَّى بْدُمُوعِي يِرْتِوِي الْعِطْشَان
   وجاء صوته هادراً، صارخاً، مشمئزا، معاتباً، باكياً وناحباً على روح الشعر، وكأنه يقول:
وما عساني أن أفعل، وأنا الذي أبكي وأتألم على الزمن الجميل الذي كان فيه الشعر ميداناً لفطاحله، ونبراساً لقلمهم، وتحدياً لقدراتهم، وصوراً لأبياتهم:
التّارِيخْ وَحْدُو بَسّ مَقْبِرْةِ الرّجَالْ
هْنِيَّالْ يَللِّي بْيِنْقِبِرْ فِيهَا
صَفْحَاتْ عَمْ تِحْكِي قِصَصْ أَبْطَالْ
بِالْكَادْ إِيدْ الدَّهرْ تِطْوِيهَا
وأنا الذي ثرت على الذين يلقبون نفسهم "بالأدباء" ووصفتهم "بالجهلأ" 
كلّ وَاحِدْ صَارْ بِالْغُرْبِه أَدِيبْ
وْأسْتَاذْ.. نَاقِصْ يِحْمِل بْإِيدُو قَضِيبْ
لكِنْ، يَا حَسْرَه، بْيِطْلَعُوا بَعدْ الْفَحصْ
جِهَّالْ.. صَعْب كْتِيرْ تَا يْنِصُّوا مْكَاتِيبْ
...
سْأَلْتِي بْحَسْرَه: وَيْن هِنِّي الأُدَبَا
الْـ زَرْعُوا الْمَهْجَرْ شِعْر وِغْنانِي
نِحْنا، يا حِلْوِه، بْجالْيِه ما بْيِعْجِبَا
غَيْر الرَّقْص.. وِتْفَتِّح قْنانِي
   وأنا الذي عاصرت الغربة الموحشة في كل أطيافها، وارتشفت عذاب رحيقها.
   اجل - أقولها على الملأ - بانه كفاني زهواً بأني ناصرت الأدب المهجري والشعر والتراث. هذا هو بالطبع المعزي الوحيد.  
   اجل - أقولها على الملأ - لقد أحرقني جمر غربتي، واكتويت بنار أتونه. انه حقاً يلازمني في كل حين.  
  أما الحزن فكان توأمي الروحي، يأكل من زادي ويمتلك كياني، ويفترش صدر الحنايا مسيطرا على كل الأحاسيس ليعبث بها كما يشاء: 
إبنُ المَهاجرِ غارقٌ في حزنِهِ
منذُ احتضنتُ الأرضَ غابَ توجُّعي
شَعَّتْ على ثغـْر الأحبّةِ بَسْمَةٌ
خِلْتُ النجومَ تـساقطتْ بتـَسَرُّعِ
"قصيدة يا مصر: ديوان أوزان الطبعة الأولى ٢٠١٦"
   أما نهر الشعر فكان ولا يزال يزيد بستان الأدب المهجري خضرة، ويغرس زهور المحبة ليفوح أريجها في كل منزل عشق الشعر وتغنى بأبياته. 
   أما الشعر فكان ولا يزال عبق السحر، حريري الملمس، شجي المسمع، عطر الكلمة، يحوّل ليل غربتي ضحى بهي الأفق عند سماعه، ويغمرني انتشاء روحي عذب حين أرتشف رحيق أبياته. إنه حقاً الشجرة الظليلة الوارفة في غربتنا، وله دوماً في قلبي مصطبح محبة، ومغتبق تبجيل. انه أريج الياسمين الذي يلامس الروح ليحلق إبداعا كنسمة ربيع فواحة لامست الجميع بأطراف عطرها الفواح وأزهرت لطفاً وأدباً وشعراً. إنه الروض الذي أزهر ورداً يبسم للحب ويرنم للعاشقين. 
لا تْقُولِيلِي: ضْجِرتْ مِنِّي
صَعب إِضْجَرْ مِنْ لَحِنْ عُمْرِي
مِنْ صَوْت جِنِّيِّه عَم تْغَنِّي
غْنَانِي انْسَرْقِتْ مِنْ كُتبْ شِعْرِي
...
شَاعِرْ أَنَا.. وِالشِّعرْ عَ شْفَافِي حِكِي
حْكَايِةْ شَعبْ.. لَـ مِينْ بَدُّو يِشْتِكِي
صَلْبُوهْ، مِتل الرَّبّ، فَوْق الْجُلْجُلِه
وْشِرْبُوا الدّمُوع وْهَيّصُوا لِمِّنْ بِكِي
   في ..."رباعيات"... ثار البعيني على ..."الغربة"... وحلم بالرجوع الى أرض الوطن: 
حْلِمْتْ حُلْم كْبِيرْ يَا لُبْنَانْ
حْلِمتْ إِنَّكْ ضَاحِكْ وْفِرْحَانْ
وْإِنُّو السِّلـمْ غَطَّى الْجَبَلْ وِالسَّهْلْ
وْرِجْعُوا اللِّي تَرْكُوا أَرْضَكْ مْنِ زْمَانْ
وخاطب البعيني "الشاعر" قائلا: 
شَاعِر.. وْشِعْرَكْ مِتِلْ شَعْرَكْ
مَنْفُوش مِنْ كِتْر الذِّكَا وِالْعِلْمْ!!
أَوْزَانْ مَا بْتِنْعَدّ.. عَ ضَهْرَكْ
حَامِلْ.. وْبَعْدَكْ مِتِل صَخْر الصَّمّْ
   أما "تراب الوطن" فاعتلى عرش قلب البعيني الذي صنفه بذي قيمة كبيرة والذي ثار على بيعه: 
الأَرْزِه الْـ بِأَعْلَى جْبَالْ عَمْ تِبْكِي
وْتِدْبَل غْصُونَا الطَّاهْرَه وْتِتْكِي
مِنْ يَوْم مَا بَاعُوا تْرَابَاتَا
وْخَنْقُوا عَ تِمّ طْفَالْهَا الضِّحْكِه!!
   
   وأوصى البعيني في ..."رباعيات"... بالمحبة والسعادة والتآخي:
وْصِيِّه بْوَصِّيكُنْ قَبِلْ مَا رُوحْ
عِيشُوا بْسَعَادِه هَـ الْعُمرْ كِلُّو
وِانْ كَانْ شِي مَرَّه الْقَلبْ مَجْرُوحْ
بْضِحْكِه زْغِيرِه الْمُرّ بِتْحَلُّوا
...
غيرْ شكلْ بَدِّي كُونْ يَا رَبِّي
إِحْملْ بِقَلْبِي أَعْظَمْ مْحَبِّه
وْأفْرُش عْيُونِي عَ دْرُوب النَّاسْ
وْإِطْعَمْ الْـ بِيجُوعْ مِنْ قَلْبِي
ويثورعلى "اللئيم وناكر المعروف" وطالبه برد الجميل: 
لا تْكُونْ لَئِيمْ وْتِنْكُر الْمَعْرُوفْ
رِدّ الْجَمِيلْ وْزِيدْ قِبَّانُو
وْلا تْدِيرْ ضَهْرَكْ سَاعِة الْـ بِتْشُوفْ
خَيَّكْ جُوعَان وْمَادِد لْسَانُو
...
لا تْدِيرْ ضَهْرَكْ لِمِّن بْتِلْسَحْ
مْنِ جْرَارْ خَيَّكْ كِلّ عَسْلاتُو
نَهْر الْمَرَارَه بْيِبْتِدِي مَطْرَحْ
كَان النَّحلْ يِنْعَمْ بِزَهْرَاتُو

   وودع البعيني "الارض" التي أحبها والتي رويت بدموع ودماء أولادها: 
بْخَاطْرِكْ.. عَمْ قُولْهَا.. وْقَلْبِي حَزِينْ
يَا أَرْضْ.. دَمْع وْدَمّ سِقْيُوا تْرَابْهَا
يَا نجْمِة الصُّبْح وْأَمَل الِمْهَاجْرِينْ
يَا بْيُوت بِزْنُودِي رْفَعْت عْتَابْهَا
ونادى البعيني كل من ..."قرأ شعره"... بأن يفهمه جيداً ويتعمق بالالم والشقاء اللذين عاصرهما طويلاً:
قْرِيتْ شِعْرِي.. بْحِبّ إِنَّكْ تِفْهَمُو
وْتِرْجَع تْعِيد قْرَايْتُو مْنِ جْدِيدْ
جْرُوحَاتْ عُمْرِي.. صَعْب تَا يِتْبَلْسَمُوا
وِبْيُوتْ.. مَفْرُوشِه شَقَا وتنهيد
**