مقال الاعلامي أسعد خوري
"لبنان وردة زجلية يتباهى بها الشعراء"، تقول الدكتورة بهيّة أبو حمد في مقدمة كتابها الجديد (شربل بعيني منارة الحرف) والذي أطْلَقَتْهُ ووقَّعَتْهُ لأصدقائها من شعراءَ وأدباءَ وكتّابٍ ورجال فكر واعلاميين وأساتذة جامعيين ورسميين (بينهم مدير عام وزارة الثقافة الدكتور علي الصمد وسفير لبنان في ماليزيا الدكتور جورج البيطار غانم)... لقد جمعت الدكتورة بهيّة نماذج فاعلة من كل الأطياف اللبنانية في القاعة الجميلة للقصر البلدي في جديدة المتن قرب بيروت، وكانت كلمات رائعة بهذه المناسبة الأدبية...
الدكتورة بهيّة (باتي) أبو حمد هي دون شك حاضنة للثقافة والشعر والتراث اللبناني، خاصة الشعر اللبناني في المهجر الاسترالي حيث حافظت، وحَفَظت مؤلفات الشعراء في استراليا في مكتبات عددٍ من السفارات والقنصليات العربية، بينها قنصلية لبنان في سيدني. هذه السيدة الأديبة المفعمة بروح الأدب والشعر والأخلاق والإنسانية ليس كثيرًا عليها أن تحمل مسؤوليات كبيرة وهامة. هي، إضافة الى كونها محامية معروفة في الأوساط الاسترالية، تحمل شهادة دكتوراه في القانون الدولي وتعمل لخدمة الحق والقانون ولخدمة الجالية اللبنانية والعربية وتدافع عن حقوقها في كل المحافل الاسترالية. وكان من الطبيعي جدًا ان تمنحها الملكة اليزابيت الثانية قبل أيام، أعلى وسام استرالي، يُعطى للميّزين في المجتمع تقديرًا لتفوقهم ودورهم الفاعل.
الدكتورة بهيّة سفيرة للسلام، مثلما هي سفيرة للثقافة وتحمل شهادات جامعية رفيعة من أرقى الجامعات الاسترالية وفي اختصاصات متعدّدة، ما يجعلها قادرة على أن تكون محامية ممتازة، ومحلّلة أعلامية متقدّمة، وأديبة متفوّقة واقتصادية عالمة بكل التطورات في العالم... إنها امرأة متفوّقة في ميادين عديدة ومتنوّعة.
هي، بكل تواضع، سفيرة للثقافة، تدعم تراثنا، وتنمّي روح المعرفة والاطلاع عند أجيالٍ لبنانية، شابّة. لقد سَعَت الدكتورة أبو حمد أن تشدّ المنتشرين اللبنانيين دومًا الى التعرّف الى ثقافتهم وتراثهم وشِعرهم وأدبهم الراقي الجميل، ليبقوا على صلة دائمة بهذا التراث، ومن يتعلّق بتراثه، لا بدّ أن يتعلّق بوطنه الأول لبنان.
الدكتورة بهيّة المثقفة، والمهتمة بالثقافة والشعرِ والكتاب، نشرت في كتابها دراسة حول مؤلفات الشاعر المهجري اللبناني المعروف شربل بعيني، ننشر بعض فقراتها:
"هنيئًا لشاعر مُخضرم وجليل أعطى الأدب والشعر والثقافة زهوًا جديدًا، ونفحة سحرية، تنساب في صميم الروح، لتزهر وردة جورية عابقة بعطرٍ فريد يرنو إليه كل أمرئ تاق الى الشعر وعشق مراده".
تضيف: "هنيئًا لشاعر غرّد للحبّ، وأغنى الأدب المهجري بلوحاتٍ تراثية تألّقت من وهج شعره، وتهادت تراتيل صلاة، ترنّم للربّ وتنقلنا الى عالمه".
ثم تقول عن شعر شربل بعيني: "إنه الحبق والمنتور العابقان بأريج الغزل ومواويل السهر، كوردةٍ ضمّت برحيقها ألوف العاشقين، ثم اتكأت خجلاً على كتف حبيبها لتغفو على أريكة شعره في أيكه المهجور".
والدكتورة بهية، ذواقة الكلمة المبدعة، أبدعت في انتقاء نصوص هذا الكتاب وأبدعت في تقديمها. أخذت من كل نوع أجمله معلقة حيناً، شارحة حيناً آخر، ومزينة نصوصها بصور تضيء المناسبة في أحيان أخرى. تأخذنا الدكتورة أبو حمد في رحلة بعيني الشعرية خطوة خطوة منذ أن كانت إرهاصات شاب مراهق إلى ان امسى كهلاً ناضجا ينطق بالحكمة. تبدأ عرضها بديوان مراهقة. بعتبته الأولى، (الغلاف)، فتقرأه بحنكة باحث متمكن يعرف كيف يثير فضول القارئ ويحفز شهوته للقراءة. تقول:
"الغلاف يثير الاعجاب ويلفت النظر، فالمرأة ذات العينين الزرقاوين تنظر إليك حالمة وكأنها تبغي المغامرة الشيقة. . . الصمت في حضرة العاشقين مقدس. . اللون الأزرق يبهر القارئ ويعطي الأمل والانشراح. اما تقاسيم الوجه فقد ثارت على الزمن لتنقلب ألوان مختلفة تتناغم الظروف التي تقترن بها سواء كانت قاسية ام حزينة صعبة ام رقيقة ام متعجرفة".
وهذا التقديم، لا يقتصر دوره على النواحي النفعية من تعريف وإشهار، بل إن قيمته الكبرى تكمن في الأسلوب الممتع الذي يثير في ذهن المتلقى إدهاشاً ولذة. وإذ تتخطى عتبة النص، تأخذنا الكاتبة في جولة على مواطن الجمال في الديوان، على النصوص التي تبرز مهارة الشاعر في "الحياكة"، فصل الفستان من حرير الطيلسان ثم حاكته فراشة بيضاء حالمة ... ثم تكشف عمّا في الديوان من نرجسية محببة تذكرنا بشاعر الغزل الاول في الأدب العربي عمر بن أبي ربيعة صاحب قصيدة: وهل يخفى القمر: تؤكد الحبيبة وبألم صارخ ان الوجد قد اضناها وان الهوى قد لف وهج حبها ... تنتظر حبيبها على مفترق طريق فما أشبه هذا القول بقول عمر:
بَيْنَما يَذْكُرْنَني أَبْصَرْنَني دونَ قَيْدِ الميلِ يَعْدو بي الأَغَرْ
قالت الكبرى : أتعرفن الفتى؟ قالت الوسطى : نعمْ، هذا عمر
قالت الصغرى ، وقد تيمتها: قد عرفناهُ، وهل يخفى القمر
وتوقفت الكاتبة عند إباحية ديوان مراهقة فانتقت نصاً يبرز جمالية الوصف الحسي والوجداني حيث يقول:
صَدْرِكْ جَبَلْ عَالِي
وْأَنَا التَّلْجَاتْ
عَـمْ دُوبْ بِلْيَالِي
هَنَا وْآهَاتْ
حِنِّي عَلَى حَالِي
...
صَدْرِكْ صَخرْ مَرْمَرْ
وْفِي تَلْتَيْن بْرُوحْ
تْرَابُنْ جِلدْ أَسْمَرْ
عْلَيْهُنْ تِجِي وِتْرُوحْ
نَسْمِةْ هَوَا شْمَالِي
بِشرب مِنْ نَهْدَيْكِ السّمْرْ
كَاسَيْن تْلاتِه وْأَكْتَرْ
تَخْت وْعَتْم وْمَوْقِدْ جَمْرْ
وْمَعْ أَطْيَبْ مَازَه بِسْكَرْ
نص مكتوب بمناخات شاعر الغزل الأول في عصرنا، نزار قباني، وبالتحديد ديوانه طفولة نهد.
والجدير بالملاحظة ان نص بعيني المحكي امتاز عن الشعر الفصيح بقربه من ذهن العامة كونه يقول الوجدان بعفوية وصدق ومباشرة. صحيح أن شربل بعيني في انتهاجه العامية حصر نتاجه في دائرة ضيقة تقتصر على ابناء اللهجة الشامية واللبنانيون منهم على وجه الخصوص، ولكن الصحيح ايضاً أنه تمكن من خلال ديناميكية المحكية أن يحاكي ذائقة القارئ/ة القائم في الحاضر الذي يستسيغ ما تعود عليه سمعه ولاوعيه. فاللغة المحكية، امرأة غجرية حرة جريئة صريحة لا توارب، منطلقة على سجيتها، تُمتِع وتُشْتَهى بأكثر ما تفعل أختها الفصحى ربة الصون والعفاف المترفعة في برج عاجي. ويبدو أن "أبو حمد" عزّ عليها أن ينحصر انتشار أدب بعيني في محلية إقليمية ضيقة فقامت برتق الفجوة وأطلقته في فضاء الفصحى الرحب الممتد على اتساع الوطن العربي من المحيط إلى الخليج فقدمته بلغة فصحى، سلسة، عذبة، تضيء النص دون أن تخدش عفويته وصدقه. قدمته بلغة السهل الممتنع الذي تستطيعه العامة وتتذوقه النخبة. تقول في تقديمها لكتاب الله في نقطة زيت:
كلمة ..."الله"... تعلو في عرشه، و..."الزيت المقدس"... من جدران حروفه. انه ديوان من نوع آخر، جمع النور الالهي، وتعاليم الآب، وأعمال بعض الكهنة، والزيت المقدس، في حروف ثارت على الخطأ والظلم، والمتاجرة بالدين، وبهيكل الرب، والإستهزاء بتعاليم الله، وتوجيهات السيد المسيح، وحب النفس، والرضوخ لعالم الشيطان، واستعمال الثوب الكهنوتي المقدس لتكديس المال بغية تحقيق الغايات الخاصة، وتنفيذ المآرب الشخصية، عوضاً عن استعمالها لخدمة الكنيسة والمؤمنين كما أوصانا ..."السيد المسيح"... في كل حين.
في هذا الديوان، نتعرف على شربل بعيني الإنسان المملوء حباً، المترفع عن الحقد والبغضاء. نتعرف على ابن الجبل الأصيل الذي لم تأخذ المدنية ولا المجتمع الاستهلاكي من أصالته قيد أنملة:
خْلِقْنِي يَقْظَه بْلَيْلِةْ حُلْمْ
فَجِّرْنِي حُبّ وْإِحْسَاسْ
وْتِرْتِيلِه عَ شْفَاف النَّاسْ
وِحْمَامِه تْبَشِّرْ بِالسِّلْـمْ
يَا رَبّ الْقَاعِدْ بِالْبَالْ
نْفِخْنِي غَيْمِه وِسْع الأَرْضْ
تَا شَتِّي لْهَـ النَّاسْ غْلالْ
وْإِجْرُفْ مِنْ قِدَّامُنْ بُغْضْ
وْحَيِّكْ بَدْل الْبُغْض سْلاَلْ
زَيِّنْهَا بْبَاقَات الْوَرْدْ
النَّاطِرْ عَ شْفَاف الأَطْفَالْ
وتتكشف لنا طيبة بعيني وشهامته في مناشدته الإله ليكون رحيماً على الخطأة فيقول:
وِالأمّ الْـ زَوْجَا قِمَّرْجِي
وْمَا بِتْشُوفُو لِلصِّبْحِيِّه
جَاعُوا طْفَالا.. كَرْجِتْ كَرْجِه
وْفَتْحِتْ بَاب الْبَيْت وْصَارْ
الْجِنْس يْطَعْمِي وْلاد زْغَارْ
هَيْدِي رَحْ تِحْسِبْهَا خْطِيِّه؟!
أبدعت أبو حمد في تقديمها لديوان مناجاة علي، جذبتنا لغتها المقتصدة، سريعة النبض البعيدة عن الرتابة. تبدأ بالغلاف الذي هو صورة الامام علي بن ابي طالب، فتثني على هذا الانتقاء بأسلوب مدهش، تنتقل فجأة من الإخبار (الصورة تزين علاف الديوان وتتربع على عرشه)، إلى التساؤل، (كيف لا!... وهو هامة دينية، فكرية، فلسفية، وإنسانية بحد ذاته. والحق يقال، ان هذه الصورة لوحة فنية معحبة تكاد بها العينان تنطقان. لقد ذكرتني يمقولة مايكل آنجلو "تكلم يا موسى". وتزيدنا الكاتبة متعة في هذا التناص الجميل بين ما قرأته في الصورة من جمال وجه، وطلة بهية وبين ما قاله المتنبي في شخصية الإمام، فهي في هذا التناص أعطت للصورة وهجاً مبهراً، كيف لا وصاحبه مالئ الدنيا وشاغل الناس.
ولا يقل تقديم المادة الشعرية قيمة عن تقديم الغلاف، ففيه عرّفتنا الكاتبة على هوية هذا الديوان: إنه مكتوب بلغة المزامير التي هي لغة الكتاب المقدس وهدف الشاعر التقرب إلى الإمام بلغة السلام والقداسة "ليطلق نور الفلسفة، والحكم القيّمة، والأقوال المأثورة، التي ملكت روحه وقلبه، فأطلق لها العنان ورددتها الأجيال وما زلنا نرددها حتى اليوم"... ولم ترهقنا ولا أتخمت ذائقتنا بإسهاب مطوّل، وإنما تركتنا نستكشف جماليات هذا الديوان بمقتطفات منتقاة بعناية هي خير سفير لهذا الديوان:
إِسْمَكْ، رَسْمَكْ، جِسْمَكْ.. عِنْدي
تَالُوت مْقَدَّسْ.. مِنْجَلّ
مْفَكِّرْ، عَالِمْ، وَاعِظْ، جِنْدي
سَيِّد.. ما في كِلْمِه تْدِلّ
...
مِنْ فَلْسِفْتَكْ، مِنْ أَقْوالَكْ
شَعِّتْ شِمْس.. وْطِلْع نْهارْ
...
.. وْهَاكِ الْوَقْفِه فَوْقِ الْمَنْبَرْ
حِمْلِتْنا عَ جْناحِ الرِّيحْ
كِنَّا بْرَفْعِةْ إِيدَكْ نِكْبَرْ
يا عَلِي.. وْتِعْلا تْسَابيحْ
...
مُشْ جايي للصَّحْرا بَسّ
لْناس.. بْيِحْكوا بِلْسانَكْ
جايي تْكَحِّلْ عَيْن الشَّمْسْ
وِتْلَوِّنْها بْإِيمانَكْ
...
دينَكْ دِيني، دين الْحُبّ
الْحُبّ اللّي بْيِجْمَعْ أَكْوانْ
ما بْيِظْلُمْ مَخْلُوق الرَّبّ
اللّي بْيِظْلُمْ هُوِّي الشَّيْطانْ
...
شو الإِنْجيلْ؟!.. وْشو الْقُرْآنْ؟
كتْب.. وْنِزْلِتْ كِرْمالي
فِسَّرْتا، قلتْ: الدَّيّانْ
واحِدْ.. تا تْرَيِّحْ بالي
...
قُلْتِلِّي: لا تْصارِعْ حَقّ
الْحَقِّ بْيِرْبَحْ مَهْما كانْ
..
وْقُلْتِلِّي: "الْباطِلْ مَغْلُوبْ
وَمَغْلوب الْغالِبْ بِالشَّرّ
في عرضها لديوان أغنية حبّ إلى استراليا" عرّفتنا الكاتبة على خصيلة محببة في شخصية بعيني، هو الوفاء والعرفان بالجميل، ففي هذه القصيدة يمطر الشاعر المدن الأسترالية حناناً وحباً:
شو بْخَبّرِكْ عَنْ أَرْضْ أَبْعَدْ مِنْ خَيَال
عَنْ شَعْبْ عِنْدُو لِلْبَشَرْ قِيمِه
حِبَّيْتها.. وِالْهَجْر أَتْقَلْ مِنِ جْبَال
بْصَخْرِةْ هُمُومِي زَرْعِت الآمَال
وْسِهْرِتْ لَيَالِي تْزِيدْ تَعْلِيمِي
. . .
شُو بْخَبّرِكْ عَنْ حُبّهَا وْإِحْسَانْهَا
تْجَمَّعْ بِـ قَلْبَا نَاسْ فِرْحَانِينْ
اخْتِزْلِي الْبَشَرْ.. بِتْكَوّنِي إِنْسَانْهَا
اخْتِزْلِي الإِيمَانْ.. بْتِحصْدِي إِيمَانْهَا
اخْتِزْلِي الدِّنِي.. تَا تَعِرْفِيهَا مِينْ؟"
تختم بهية ابو حمد كتابها بفصل قصير تستجمع فيه لقطات فكاهية هي على حد قولها، أسلوب يحبب القارئ بالشعر والنثر، ويجعله يتذكر تفاصيل القصة بحذافيرها وبفرح عارم. والأهم أن هذا النوع من "الشعر الفكاهي" يعلق بسهولة في ذهن القارئ ويرى نفسه يردده في سره وعلنه بفرح وغبطة ودون عناء حيث تمسي القصيدة "الفكاهة السائدة" بين أفراد المجتمع بما فيهم الاطفال.
ننتقي من النماذج المتعددة التي أوردتها الكاتبة شعراً ونثراً هذا النموذج منعاً للإطالة:
"بساحة الكنيسه النسْوانْ
لساناتُن متل السّكينْ
بْيِحْكوا عَ فلانه وفلانْ
عن حنّا اللاحِقْ فُوتين
جابْ منّا بْنات وصبيانْ
أَزْغَرْهُن عمرو عِشْرينْ
عن سامي الْمتل الشّيْطانْ
عنْ اخْتُو ستّ الحلوين
بدّو يْزَوّجها وْطمعانْ
بدوطه بْتِحْرُز وِبْساتينْ
بْزَنْكيل مْعَبّى وْحِرْزان
يْكُون عمْرو فوق السبعينْ
نسوان لسانُن فلتانْ
وتا حتّى يرضوا الدّيّان
ما بْيِنْسوا يْقُولوا: آمين"
هذا غيض من فيض مما جاء في كتاب شربل بعيني منارة الحرف فهنالك الكثير الكثير من القصائد المدهشة والمواقف الإنسانية المؤثرة النبيلة لم يسمح المجال بالوقوف عندها، وفي النية عودة إليها في مقالة لاحقة. إذ أن مقالة محدودة الصفحات لا تستطيع أن تأتي على مستلخصات خمسة عشر ديواناً كل ما فيها شيق وممتع ومؤثر سواء لناحية الانتقاءات أو التقديم أو التعليق.
يصنف كتاب أبو حمد في كونه نمط جديد في الدراسات البحثية. فهو، وإن التزم منهج البحث العلمي في الاستقصاء والتحليل والالتزام بالموضوعية، إلا انه ابتعد كل البعد عن لغة البحوث العلمية الجافة المملة، واتبع أسلوباً شاعرياً وجدانياً يدهش ويلذ، فكان أن أضافت الكاتبة على شاعرية البعيني شاعرية من نوع جديد، وبتنا، على حد تعبير مصطفى الحلوة، أمام ديوانٍ للدكتورة بهية أبو حمد، يحتوي خمسة عشر ديواناً، ولنغدو أمام شاعرين، وإنْ لَم تحشرْ مؤلفتنا نفسها بين الشعراء، ففي لغتها من روح الشعر وتوهجه ما يرقى بها إلى لغة الشعر.
د. نجمة خليل حبيب
سدني أستراليا
28 تشرين الثاني 2019،
**
من اليمين الاعلامي أسعد الخوري، الدكتور مصطفى الحلوة، البهية بهية |
الدكتورة بهيّة سفيرة للسلام، مثلما هي سفيرة للثقافة وتحمل شهادات جامعية رفيعة من أرقى الجامعات الاسترالية وفي اختصاصات متعدّدة، ما يجعلها قادرة على أن تكون محامية ممتازة، ومحلّلة أعلامية متقدّمة، وأديبة متفوّقة واقتصادية عالمة بكل التطورات في العالم... إنها امرأة متفوّقة في ميادين عديدة ومتنوّعة.
هي، بكل تواضع، سفيرة للثقافة، تدعم تراثنا، وتنمّي روح المعرفة والاطلاع عند أجيالٍ لبنانية، شابّة. لقد سَعَت الدكتورة أبو حمد أن تشدّ المنتشرين اللبنانيين دومًا الى التعرّف الى ثقافتهم وتراثهم وشِعرهم وأدبهم الراقي الجميل، ليبقوا على صلة دائمة بهذا التراث، ومن يتعلّق بتراثه، لا بدّ أن يتعلّق بوطنه الأول لبنان.
الدكتورة بهيّة المثقفة، والمهتمة بالثقافة والشعرِ والكتاب، نشرت في كتابها دراسة حول مؤلفات الشاعر المهجري اللبناني المعروف شربل بعيني، ننشر بعض فقراتها:
"هنيئًا لشاعر مُخضرم وجليل أعطى الأدب والشعر والثقافة زهوًا جديدًا، ونفحة سحرية، تنساب في صميم الروح، لتزهر وردة جورية عابقة بعطرٍ فريد يرنو إليه كل أمرئ تاق الى الشعر وعشق مراده".
تضيف: "هنيئًا لشاعر غرّد للحبّ، وأغنى الأدب المهجري بلوحاتٍ تراثية تألّقت من وهج شعره، وتهادت تراتيل صلاة، ترنّم للربّ وتنقلنا الى عالمه".
ثم تقول عن شعر شربل بعيني: "إنه الحبق والمنتور العابقان بأريج الغزل ومواويل السهر، كوردةٍ ضمّت برحيقها ألوف العاشقين، ثم اتكأت خجلاً على كتف حبيبها لتغفو على أريكة شعره في أيكه المهجور".
**
مقال الدكتورة نجمة خليل حبيب
بهية أبو حمد في مُؤَلَّف شربل بعيني منارة الحرف: استقصاء جماليات القصيد في شعر شربل بعيني وإطلاقه في فضاء الفصحى الرحب
أَثْرَت الدكتورة بهية أبو حمد المكتبة العربية بمؤلف قيِّم بعنوان شربل بعيني منارة الحرف . وليس غريباً على ابو حمد أن تختار لباكورة أعمالها البحثية شاعراً نذر حياته للشعر وخدمة الثقافة العربية. فأبو حمد كما نعرفها، ذواقة للكلمة المبدعة تشجعها وتنشرها أينما وجدت، فهي حاضرة في كل محفل ثقافي في هذا البلد، وراعية لمؤسسة الشعر والتراث ومؤسسة لصالون أدبي مميز في سدني يؤمه المثقفون من جميع أنحاء أستراليا. لن أتطرق إلى نشاطاتها الاجتماعية فهي غزيرة ومتنوعة وغنية عن التعريف. والشاعر شربل قيمة أدبية مرموقة أثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب وفي مختلف الأجناس: شعراً ونثراً ، فصحى وعامية، مسرحاً ورواية وكتب أطفال؛ وفي مختلف المواضيع: رومانسية محببة من غزل وفخر وهجاء؛ نقد أدبي واجتماعي؛ وطنية واستنهاض همم. هذا إضافة إلى نشاطاته التي لا تهدأ ومنها: تلفزيون ومجلة الغربة اللذان يعملان على خدمة الجالية العربية في كل أطيافها دون التفريق بين قطر وآخر ولا بين ديانة وأخرى. وجائزته الأدبية التي هي مهرجان ثقافي تحكمه رؤية نقدية ثاقبة وعقل نزيه مترفع عن كل مذهبية واقليمية وانتماء عشائري او حزبي او قطري. فبين حاملي هذه الجائزة االفلسطينيي واللبناني والسوري والعراقي والمصري وغيرهم. وبينهم اليميني واليساري، الملحد والمتدين والى آخر ما في هذه الجالية من أطياف والوان.والدكتورة بهية، ذواقة الكلمة المبدعة، أبدعت في انتقاء نصوص هذا الكتاب وأبدعت في تقديمها. أخذت من كل نوع أجمله معلقة حيناً، شارحة حيناً آخر، ومزينة نصوصها بصور تضيء المناسبة في أحيان أخرى. تأخذنا الدكتورة أبو حمد في رحلة بعيني الشعرية خطوة خطوة منذ أن كانت إرهاصات شاب مراهق إلى ان امسى كهلاً ناضجا ينطق بالحكمة. تبدأ عرضها بديوان مراهقة. بعتبته الأولى، (الغلاف)، فتقرأه بحنكة باحث متمكن يعرف كيف يثير فضول القارئ ويحفز شهوته للقراءة. تقول:
"الغلاف يثير الاعجاب ويلفت النظر، فالمرأة ذات العينين الزرقاوين تنظر إليك حالمة وكأنها تبغي المغامرة الشيقة. . . الصمت في حضرة العاشقين مقدس. . اللون الأزرق يبهر القارئ ويعطي الأمل والانشراح. اما تقاسيم الوجه فقد ثارت على الزمن لتنقلب ألوان مختلفة تتناغم الظروف التي تقترن بها سواء كانت قاسية ام حزينة صعبة ام رقيقة ام متعجرفة".
وهذا التقديم، لا يقتصر دوره على النواحي النفعية من تعريف وإشهار، بل إن قيمته الكبرى تكمن في الأسلوب الممتع الذي يثير في ذهن المتلقى إدهاشاً ولذة. وإذ تتخطى عتبة النص، تأخذنا الكاتبة في جولة على مواطن الجمال في الديوان، على النصوص التي تبرز مهارة الشاعر في "الحياكة"، فصل الفستان من حرير الطيلسان ثم حاكته فراشة بيضاء حالمة ... ثم تكشف عمّا في الديوان من نرجسية محببة تذكرنا بشاعر الغزل الاول في الأدب العربي عمر بن أبي ربيعة صاحب قصيدة: وهل يخفى القمر: تؤكد الحبيبة وبألم صارخ ان الوجد قد اضناها وان الهوى قد لف وهج حبها ... تنتظر حبيبها على مفترق طريق فما أشبه هذا القول بقول عمر:
بَيْنَما يَذْكُرْنَني أَبْصَرْنَني دونَ قَيْدِ الميلِ يَعْدو بي الأَغَرْ
قالت الكبرى : أتعرفن الفتى؟ قالت الوسطى : نعمْ، هذا عمر
قالت الصغرى ، وقد تيمتها: قد عرفناهُ، وهل يخفى القمر
وتوقفت الكاتبة عند إباحية ديوان مراهقة فانتقت نصاً يبرز جمالية الوصف الحسي والوجداني حيث يقول:
صَدْرِكْ جَبَلْ عَالِي
وْأَنَا التَّلْجَاتْ
عَـمْ دُوبْ بِلْيَالِي
هَنَا وْآهَاتْ
حِنِّي عَلَى حَالِي
...
صَدْرِكْ صَخرْ مَرْمَرْ
وْفِي تَلْتَيْن بْرُوحْ
تْرَابُنْ جِلدْ أَسْمَرْ
عْلَيْهُنْ تِجِي وِتْرُوحْ
نَسْمِةْ هَوَا شْمَالِي
بِشرب مِنْ نَهْدَيْكِ السّمْرْ
كَاسَيْن تْلاتِه وْأَكْتَرْ
تَخْت وْعَتْم وْمَوْقِدْ جَمْرْ
وْمَعْ أَطْيَبْ مَازَه بِسْكَرْ
نص مكتوب بمناخات شاعر الغزل الأول في عصرنا، نزار قباني، وبالتحديد ديوانه طفولة نهد.
والجدير بالملاحظة ان نص بعيني المحكي امتاز عن الشعر الفصيح بقربه من ذهن العامة كونه يقول الوجدان بعفوية وصدق ومباشرة. صحيح أن شربل بعيني في انتهاجه العامية حصر نتاجه في دائرة ضيقة تقتصر على ابناء اللهجة الشامية واللبنانيون منهم على وجه الخصوص، ولكن الصحيح ايضاً أنه تمكن من خلال ديناميكية المحكية أن يحاكي ذائقة القارئ/ة القائم في الحاضر الذي يستسيغ ما تعود عليه سمعه ولاوعيه. فاللغة المحكية، امرأة غجرية حرة جريئة صريحة لا توارب، منطلقة على سجيتها، تُمتِع وتُشْتَهى بأكثر ما تفعل أختها الفصحى ربة الصون والعفاف المترفعة في برج عاجي. ويبدو أن "أبو حمد" عزّ عليها أن ينحصر انتشار أدب بعيني في محلية إقليمية ضيقة فقامت برتق الفجوة وأطلقته في فضاء الفصحى الرحب الممتد على اتساع الوطن العربي من المحيط إلى الخليج فقدمته بلغة فصحى، سلسة، عذبة، تضيء النص دون أن تخدش عفويته وصدقه. قدمته بلغة السهل الممتنع الذي تستطيعه العامة وتتذوقه النخبة. تقول في تقديمها لكتاب الله في نقطة زيت:
كلمة ..."الله"... تعلو في عرشه، و..."الزيت المقدس"... من جدران حروفه. انه ديوان من نوع آخر، جمع النور الالهي، وتعاليم الآب، وأعمال بعض الكهنة، والزيت المقدس، في حروف ثارت على الخطأ والظلم، والمتاجرة بالدين، وبهيكل الرب، والإستهزاء بتعاليم الله، وتوجيهات السيد المسيح، وحب النفس، والرضوخ لعالم الشيطان، واستعمال الثوب الكهنوتي المقدس لتكديس المال بغية تحقيق الغايات الخاصة، وتنفيذ المآرب الشخصية، عوضاً عن استعمالها لخدمة الكنيسة والمؤمنين كما أوصانا ..."السيد المسيح"... في كل حين.
في هذا الديوان، نتعرف على شربل بعيني الإنسان المملوء حباً، المترفع عن الحقد والبغضاء. نتعرف على ابن الجبل الأصيل الذي لم تأخذ المدنية ولا المجتمع الاستهلاكي من أصالته قيد أنملة:
خْلِقْنِي يَقْظَه بْلَيْلِةْ حُلْمْ
فَجِّرْنِي حُبّ وْإِحْسَاسْ
وْتِرْتِيلِه عَ شْفَاف النَّاسْ
وِحْمَامِه تْبَشِّرْ بِالسِّلْـمْ
يَا رَبّ الْقَاعِدْ بِالْبَالْ
نْفِخْنِي غَيْمِه وِسْع الأَرْضْ
تَا شَتِّي لْهَـ النَّاسْ غْلالْ
وْإِجْرُفْ مِنْ قِدَّامُنْ بُغْضْ
وْحَيِّكْ بَدْل الْبُغْض سْلاَلْ
زَيِّنْهَا بْبَاقَات الْوَرْدْ
النَّاطِرْ عَ شْفَاف الأَطْفَالْ
وتتكشف لنا طيبة بعيني وشهامته في مناشدته الإله ليكون رحيماً على الخطأة فيقول:
وِالأمّ الْـ زَوْجَا قِمَّرْجِي
وْمَا بِتْشُوفُو لِلصِّبْحِيِّه
جَاعُوا طْفَالا.. كَرْجِتْ كَرْجِه
وْفَتْحِتْ بَاب الْبَيْت وْصَارْ
الْجِنْس يْطَعْمِي وْلاد زْغَارْ
هَيْدِي رَحْ تِحْسِبْهَا خْطِيِّه؟!
أبدعت أبو حمد في تقديمها لديوان مناجاة علي، جذبتنا لغتها المقتصدة، سريعة النبض البعيدة عن الرتابة. تبدأ بالغلاف الذي هو صورة الامام علي بن ابي طالب، فتثني على هذا الانتقاء بأسلوب مدهش، تنتقل فجأة من الإخبار (الصورة تزين علاف الديوان وتتربع على عرشه)، إلى التساؤل، (كيف لا!... وهو هامة دينية، فكرية، فلسفية، وإنسانية بحد ذاته. والحق يقال، ان هذه الصورة لوحة فنية معحبة تكاد بها العينان تنطقان. لقد ذكرتني يمقولة مايكل آنجلو "تكلم يا موسى". وتزيدنا الكاتبة متعة في هذا التناص الجميل بين ما قرأته في الصورة من جمال وجه، وطلة بهية وبين ما قاله المتنبي في شخصية الإمام، فهي في هذا التناص أعطت للصورة وهجاً مبهراً، كيف لا وصاحبه مالئ الدنيا وشاغل الناس.
ولا يقل تقديم المادة الشعرية قيمة عن تقديم الغلاف، ففيه عرّفتنا الكاتبة على هوية هذا الديوان: إنه مكتوب بلغة المزامير التي هي لغة الكتاب المقدس وهدف الشاعر التقرب إلى الإمام بلغة السلام والقداسة "ليطلق نور الفلسفة، والحكم القيّمة، والأقوال المأثورة، التي ملكت روحه وقلبه، فأطلق لها العنان ورددتها الأجيال وما زلنا نرددها حتى اليوم"... ولم ترهقنا ولا أتخمت ذائقتنا بإسهاب مطوّل، وإنما تركتنا نستكشف جماليات هذا الديوان بمقتطفات منتقاة بعناية هي خير سفير لهذا الديوان:
إِسْمَكْ، رَسْمَكْ، جِسْمَكْ.. عِنْدي
تَالُوت مْقَدَّسْ.. مِنْجَلّ
مْفَكِّرْ، عَالِمْ، وَاعِظْ، جِنْدي
سَيِّد.. ما في كِلْمِه تْدِلّ
...
مِنْ فَلْسِفْتَكْ، مِنْ أَقْوالَكْ
شَعِّتْ شِمْس.. وْطِلْع نْهارْ
...
.. وْهَاكِ الْوَقْفِه فَوْقِ الْمَنْبَرْ
حِمْلِتْنا عَ جْناحِ الرِّيحْ
كِنَّا بْرَفْعِةْ إِيدَكْ نِكْبَرْ
يا عَلِي.. وْتِعْلا تْسَابيحْ
...
مُشْ جايي للصَّحْرا بَسّ
لْناس.. بْيِحْكوا بِلْسانَكْ
جايي تْكَحِّلْ عَيْن الشَّمْسْ
وِتْلَوِّنْها بْإِيمانَكْ
...
دينَكْ دِيني، دين الْحُبّ
الْحُبّ اللّي بْيِجْمَعْ أَكْوانْ
ما بْيِظْلُمْ مَخْلُوق الرَّبّ
اللّي بْيِظْلُمْ هُوِّي الشَّيْطانْ
...
شو الإِنْجيلْ؟!.. وْشو الْقُرْآنْ؟
كتْب.. وْنِزْلِتْ كِرْمالي
فِسَّرْتا، قلتْ: الدَّيّانْ
واحِدْ.. تا تْرَيِّحْ بالي
...
قُلْتِلِّي: لا تْصارِعْ حَقّ
الْحَقِّ بْيِرْبَحْ مَهْما كانْ
..
وْقُلْتِلِّي: "الْباطِلْ مَغْلُوبْ
وَمَغْلوب الْغالِبْ بِالشَّرّ
في عرضها لديوان أغنية حبّ إلى استراليا" عرّفتنا الكاتبة على خصيلة محببة في شخصية بعيني، هو الوفاء والعرفان بالجميل، ففي هذه القصيدة يمطر الشاعر المدن الأسترالية حناناً وحباً:
شو بْخَبّرِكْ عَنْ أَرْضْ أَبْعَدْ مِنْ خَيَال
عَنْ شَعْبْ عِنْدُو لِلْبَشَرْ قِيمِه
حِبَّيْتها.. وِالْهَجْر أَتْقَلْ مِنِ جْبَال
بْصَخْرِةْ هُمُومِي زَرْعِت الآمَال
وْسِهْرِتْ لَيَالِي تْزِيدْ تَعْلِيمِي
. . .
شُو بْخَبّرِكْ عَنْ حُبّهَا وْإِحْسَانْهَا
تْجَمَّعْ بِـ قَلْبَا نَاسْ فِرْحَانِينْ
اخْتِزْلِي الْبَشَرْ.. بِتْكَوّنِي إِنْسَانْهَا
اخْتِزْلِي الإِيمَانْ.. بْتِحصْدِي إِيمَانْهَا
اخْتِزْلِي الدِّنِي.. تَا تَعِرْفِيهَا مِينْ؟"
تختم بهية ابو حمد كتابها بفصل قصير تستجمع فيه لقطات فكاهية هي على حد قولها، أسلوب يحبب القارئ بالشعر والنثر، ويجعله يتذكر تفاصيل القصة بحذافيرها وبفرح عارم. والأهم أن هذا النوع من "الشعر الفكاهي" يعلق بسهولة في ذهن القارئ ويرى نفسه يردده في سره وعلنه بفرح وغبطة ودون عناء حيث تمسي القصيدة "الفكاهة السائدة" بين أفراد المجتمع بما فيهم الاطفال.
ننتقي من النماذج المتعددة التي أوردتها الكاتبة شعراً ونثراً هذا النموذج منعاً للإطالة:
"بساحة الكنيسه النسْوانْ
لساناتُن متل السّكينْ
بْيِحْكوا عَ فلانه وفلانْ
عن حنّا اللاحِقْ فُوتين
جابْ منّا بْنات وصبيانْ
أَزْغَرْهُن عمرو عِشْرينْ
عن سامي الْمتل الشّيْطانْ
عنْ اخْتُو ستّ الحلوين
بدّو يْزَوّجها وْطمعانْ
بدوطه بْتِحْرُز وِبْساتينْ
بْزَنْكيل مْعَبّى وْحِرْزان
يْكُون عمْرو فوق السبعينْ
نسوان لسانُن فلتانْ
وتا حتّى يرضوا الدّيّان
ما بْيِنْسوا يْقُولوا: آمين"
هذا غيض من فيض مما جاء في كتاب شربل بعيني منارة الحرف فهنالك الكثير الكثير من القصائد المدهشة والمواقف الإنسانية المؤثرة النبيلة لم يسمح المجال بالوقوف عندها، وفي النية عودة إليها في مقالة لاحقة. إذ أن مقالة محدودة الصفحات لا تستطيع أن تأتي على مستلخصات خمسة عشر ديواناً كل ما فيها شيق وممتع ومؤثر سواء لناحية الانتقاءات أو التقديم أو التعليق.
يصنف كتاب أبو حمد في كونه نمط جديد في الدراسات البحثية. فهو، وإن التزم منهج البحث العلمي في الاستقصاء والتحليل والالتزام بالموضوعية، إلا انه ابتعد كل البعد عن لغة البحوث العلمية الجافة المملة، واتبع أسلوباً شاعرياً وجدانياً يدهش ويلذ، فكان أن أضافت الكاتبة على شاعرية البعيني شاعرية من نوع جديد، وبتنا، على حد تعبير مصطفى الحلوة، أمام ديوانٍ للدكتورة بهية أبو حمد، يحتوي خمسة عشر ديواناً، ولنغدو أمام شاعرين، وإنْ لَم تحشرْ مؤلفتنا نفسها بين الشعراء، ففي لغتها من روح الشعر وتوهجه ما يرقى بها إلى لغة الشعر.
د. نجمة خليل حبيب
سدني أستراليا
28 تشرين الثاني 2019،
**