ظلال

"الطبعة الثانية ٢٠١٨"
   استهل البعيني هذا الديوان بثورة على الحكام والزعماء الذين لا هم لهم سوى المراكز والمنافع الشخصية، وجر الوطن الى الخراب، كما أعطى الأمل بوجود الأبطال الذين لم يتوانوا يوماً عن حماية الوطن وأرضه:
 أَتَنامُ عَيْنُ الشِّعرِ مِلْءَ جُفونِها
وَعَلى الرُّموشِ مَصائِبٌ تَخْتالُ؟
يَعْيا الْعَويلُ بِثَـغْرِنا، فَكَأَنَّـنا
مُنـذُ الْبِدايَـةِ لَفَّنا الْبِـلْبالُ
أَعْـمارُنا رَهْنٌ بِحِفْظِ مَـراكِزٍ
يَطْـغى بِـها مُسْتَرْئِسٌ دَجَّالُ
لا ثَوْرَةٌ في الشَّرْقِ أَشْرَقَ نورُها
إلاَّ احْتَواها في الدُّجَى مِكْيالُ
زُعَماؤنا، دَرْبُ الْخِيانَةِ دَرْبُهُمْ
لِيَقودَنا نَحْوَ الضَّلالِ ضَلالُ
إنْ صَمَّموا، فَالْغَدْرُ في تَصْميمِهِمْ
وَتَكَلَّموا، فَلُعابُهُمْ يَحْتـالُ
بِئْسَ الزَّمانُ زَمانُنا.. فَبِلادُنا
عِنْدَ الشَّدائِدِ عافَها الأَبْطالُ
    وما أجمل العشق العارم الذي يكنّه البعيني ..."للرباط"... والتي وصفها ..."بعرش الملك"... والتي أعلن عن رغبته بزيارتها، ليظهر حبه الجارف لها، وليلهو ويمرح مع كل نسمة من هوائها المنعش:

ها قد أتيتُ المغربَ الحلوَ انتشِ
يا شِعرُ وَامْرَحْ كالهواءِ المنعشِ
هذي "الرباطُ" حبُّ قلبٍ عاشقٍ
باللهِ عنّي يا "رباطُ" فتّشي  
وأضحى البعيني كئيباً وحزيناً، يقطر قلبه دماً على ..."ارواح شهداء العراق".... فنادى ..."بغداد"... من ..."بيروت".. ليزفّ لها حزنه ودموعه وألمه على الحرب الدامية التي أودت بحياة الشهداء الأبرار:
أرْضَ الْعِراقِ.. أَتَيْتُكِ
مُدِّي الْيَدَيْنِ إلى الْحَبيبْ
إنّي سَكَبْتُكِ مِنْ عُيونِيَ "دِجْلَةً"
أوّاهُ.. كَمْ يَبْكِي الْغَريبْ
...
لُبنانُ، يا بَغْدادُ، كَمْ سَنَةٍ
يَقْتاتُ مِنْ أَكْبادِهِ الأَلَمُ
هَلْ يَنْتَهي الإنسانُ في وَطَنٍ
كانَتْ تُناغي أَرْضَهُ الْقِيَمُ
أَعْداؤهُ الأَوغادُ هَمُّهُمُ
أَن يُسكِرَ المُسْتَنقعاتِ دَمُ
أَوصافُهُمْ، إن شِئْتِ، أَكْتُبُها
كَيْ تَعْلَمي كَمْ يَخْجَلُ الْقَلَمُ

   ومن قصيدة اخرى:
هذه بيروتُ يا بغدادُ تبكي
إمسَحي الدَّمْعاتِ إنَّ الدَّمْعَ أَحْمَرْ
إنْ بَكَيْتِ الْيَوْمَ نَبْكي كُلَّ يومٍ
كُلُّ شِبْرٍ مِنْكِ يا بَغْدادُ جَوْهَرْ
ونَهَلَ البعيني من أدبه وشعره عتباً لسيد الكلمة، ونبراس الحرف، ومنارة الشعر، الشاعر الدكتور والفيلسوف ..."سعيد عقل"... وعاتبه بشدة عما يجري في لبنان وعلى تدهور الشعر، والشعراء، والحكام، طالباً وراجياً المساعدة من حكم الأصنام:
يا "عقلُ" أنتَ الحرفُ والكِلَمُ
لولاكَ لمْ تسمعْ بنا الأممُ
من دمعةِ العنقود صِغْت لنا
شعراً عظيماً هابَهُ الكرَمُ
هذا "سعيدٌ" صوتُه عبرٌ
يُصغي إليه من بهِ صممُ
لبنانُنا، يا "عقلُ"، أنت لهُ
دِرعٌ، لماذا يحكمُ الصنمُ؟
لا لم تمتْ ما جئتَ من عدمٍ
حين احتواك استيقظ العدمُ
   وكان شعر البعيني داوياً وصاخباً في ..."ظلال"... عندما ناجى الشاعر الكبير 
..." أبو الطيب المتنبي"... مالىء الدنيا وشاغل الناس فقال:
يا أبا الطيّبِ مَهْلاً
ها هُنا الْكُفْرُ يَسُودُ
نَحْنُ نَحْيا كُلَّ يَوْمٍ
دَمْعُنا للحُزْنِ عيدُ
يا عظيماً نلتَ فَخْراً
أَنْت للشّعْرِ شَهيدُ
إنْ طَواكَ الْمَوْتُ دَهْراً
كلُّ ما قُلْتَ جَديدُ
كما ثار البعيني على الظلم الذي تعرضت له الطفلة ..."عهد التميمي"... ووصفها بالبطلة التي هزت الجبال:
عهد التميمي أصبحت أملا
بنتُ النشامى هزّت الجبلا
شعبي أنا قد عابه فزعٌ
لمّا رآها إنطوى خجلا
والقدسُ قالت: هذه فرحي
مثلَ "التميمي" لم أجدْ رجلا
أوصافُنا يا "عهدُ" ناقصةٌ
إلا إذا نادتْكِ: يا بطله
   وأبدع البعيني ايضاً بوصف عازف الأورغ الكبير ..." الأستاذ مجدي الحسيني"... وتطرق الى استيائه من تدني المستوى الفني في عصرنا هذا، واشتياقه العميق والدؤوب الى لحن جميل ينعش الروح ويفرج الكربة:
جاءَ "الْحُسيني" حاملاً وترا
كنّا، وكان الهجرُ منتظرا
مَنْ رافقَ الأمجادَ باتَ هُنا
يا مصرُ صارَ العقلُ مُنبهرا
يا سيدَ الأنغامِ هذا أنا
لستُ أمام العزف مُقتدرا
مجدي.. إذا الأهرامُ شامخةٌ
كنتمْ لها الألوانَ والصورا
واللحنُ.. مِنْكَ اللحنُ مندهشٌ
أودعتَه الأكوانَ فانتشرا
من ظلاله يطلق البعيني العنان لشعره الحزين، الذي ينبع من قلب مكسور الخاطر، وكئيب على موت ملك القوافي وسيد المعنى الشاعر الزجلي ..."جوزيف الهاشم"... الملقب بزغلول الدامور: 
ما دُمْتَ أنت الوزنُ والشعرُ الأجلّ
لا لستُ أرضى بالكلامِ المرتجلْ
زغلولَنا.. لم يأتِ مثلَك مبدعٌ
غنّيتَ شعراً قد يغنّيه الأزل
قمْ ودّعِ الأصحابَ، هذا جمعهُمْ
عندَ "البهيَّة" شِعرهُم دمْعُ المُقلْ
حُزنٌ أليمٌ.. لو سمعتَ أنينَهم
لبكيتَ مثل الطفل من فيضِ الزعلْ
جوزيفُ.. قل لي كيف يأتيكَ الفنا
والمجدُ أنتَ.. وأنتَ زغلولُ الزجلْ
   وأجاد البعيني بوصف عازف الشيللو الكبير الذي عزف لعمالقة الفن في الزمن الجميل ..." الأستاذ مجدي فؤاد بولس "... ووصفه بالهرم، وبالقيمة الفنية الشامخة، وبالأنامل الماسية:
مجدي، عظيمُ الْفَنِّ، وافَرحي
يا مِصْرُ غَنِّي الْيَومَ وانْشَرِحي
كُلثُومُ جاءَتْهُ كأُغْنِيَةٍ
تلْحينُها خَمْرٌ بِلا قَدحِ
والْماسُ يَجْري فَوْقَ أُنْمُلَةٍ
أَفْنَتْ بِعَزْفٍ دَمْعَةَ التَّرَحِ
والنّيلُ، نَهْرُ الْخَيْرِ يَعْشَقُهُ
والرأسُ يعلو قامةَ البلحِ
**