أشرق وجهها خجلاً على صفحته، ولمع بريق الحب في عينيها الزرقاوين. إنها الحبيبة الجميلة، والمراهقة اللعوب التي امتلكت روح الشاعر، وألهبت مشاعره، وسكنت حناياه، وكتب لها أولى قصائده عام ١٩٦٨، ثم أزهرت عطراً في كل زاوية من حياته. هذه المراة التي أطربت الحب خجلا، وأنارته بخوراً فواحاً ينعش الروح، ويدغدغ أنغام القلب، لينبض عقيقاً ازلياً، أبرق مهجة تهادت كحرير الملبس على قلب العاشقين الحميمين ليرنما للحب سويا وإلى الأبد.
الغلاف يثير الإعجاب ويلفت النظر، فالمرأة ذات العينين الزرقاوين تنظر إليك حالمة وكأنها تبغي المغامرة الشيقة - إنها حقاً هنا - تقف شامخة، وتنظر سائلة، وتسأل حائرة، وتراقب مندهشة. إنها حامية حمى الحب السرمدي التي تتذوقه كل يوم وتعيش أمله مع شاعرها الحبيب.
ألصمت في حضرة العاشقين مقدس. أللون الأزرق يبهر القارىء ويعطي الأمل والانشراح، أما تقاسيم الوجه فقد ثارت على الزمن لتتقلب ألوان مختلفة تناغم الظروف التي تقترن بها سواء أكانت قاسية، أم حزينة، صعبة، أم رقيقة، أم متعجرفة. أما الفم فهو جميل المبسم تتوجه شفتان زهريتا اللون تجاذبان الحب وتلامسانه ، وتعانقانه ، وتداعبانه ، لترتشفاه أخيراً قبلة تأرجح لها الفؤاد المتيم، وتهادى عشقاً رقيقاً على قلبي العاشقين.
كم هي رائحة العشق والغرام فواحة في ديوان ..."مراهقة"... لدرجة جعلتني أتذكر بعضاً من ابيات قصيدة كتبها الشاعر احمد السيد وقد قال فيها:
اول ما ربيع العمر شبشب
ما كنت استهاب من المصيبة
عا فرفرتي ما خلي درب يعتب
السما من الارض لاقيها قريبة
وبيي عيشو جمعه مسرسب
الصبي عالبيت ما بيلفي عجيبة
إن قلي وين عم بتغط اغضب
مع الحلوين قضيها هريبة
في "مراهقة" تتراءى لنا "حبيبة البعيني" متمايلة عشقاً، ومتراقصة طرباً، ومرتدية "فستانها القصير" الذي يكشف معالم الاثارة في قد جميل سكبت معالمه بيد خالقه، واستاء منه الحاسدون.
اما البعيني، فقد أبرز بالشعر مهارته في "الحياكة"، فهو الذي فصل الفستان من حرير الطيلسان، ثم حاكته فراشة بيضاء حالمة، غدت باكراً قبيل سنا الصباح، لتشدو نجوى حبها السرمدي، وهيام عشقها الأزلي، مخاطبة البعيني بلغة الحب، مطالبة إياه بالاصغاء الى دقات القلب، ونور العقل، ليتحقق حلمها الذي اكتمل وبدا مشعاً كبدرها الغلسي.
القامة حضارة شامخة، والقَدّ ممشوق، والعنق مرموق يتمايل دلعاً لرؤية الحبيب، والفم مرسوم بجرح الذهب، والجبين عال أشرق من أعالي صرحه نور عشقه المشع، والصدر رخامي الملمس، وعارم المظهر، وثلجي المنظر، ناصع كبريق الحب، والخصر تاريخ، والشعر ناعم يتهادى كحرير الملبس على ورد الوجنتين، ليدغدغ حنانه، ويسكر عشقاً من زهو رائحته الفواحة، يلاطف الخدود المتعطشة للقبل، ثم يعود مرفرفاً بحنان الى تاج الرأس، شامخاً بحبه للشاعر الذي أصابه دوار شديد من كثرة العشق، وتأجج نار الغرام في قلبه، وغدا كطير اطلق جناحه للمرة الاولى محلقاً ببهجة في سماء الحب ولا يدري كيف يعود الى عشه الأرضي الدافئ والأمين.
وتؤكد الحبيبة للبعيني وبألم صارخ ان ..."الوجد"... قد اضنى مصيرها، وان "الهوى" قد لفّ وهج حبها، ليزرعه أرزة شامخة لا تنحني الا للعشق، تنتظر حبيبها على مفترق طريق افترشته بورد الأمل ليشم عطره الفواح، مناجياً الروح هياماً وعشقاً ومعلناً اللقاء الابدي معها . **
في ..."مراهقة"... كان ..."الغزل اباحيا"... عند البعيني:
هَـ الْحَلْمِة اللِّي مْشَوّبِه
يَا مَا قْلُوب مْدَوّبِه
و ..."بجرأة"... جارفة وحب واضح:
وِبْناتْ مِتل الزَّهْر
دِبْلِتْ عَلَى بْوابِي
تا تْفَرْفِحْ شْبابي
...
بَيْنِي وْبَيْنَكْ سَالْفَيْن زْغَارْ
قَعْدِت عْلَيْهُنْ غَبْرِةْ الأيَّامْ
شَابُوا.. وْأَنَا مِنْ شَيْبِتُنْ مِنْضَامْ
وْمُحْتَارْ كِيف بْدَارِيُنْ مُحْتَارْ
تَا ضَلّْ شَبّْ زْغِيرْ
بِعْيُونْ فَرْفُورَه
بْتِكْرَهْ التَّنُّورَه
الْـ مُشْ لاحِقَا تِقْصِيرْ!!
في ..."مراهقة"... ناجى الشاعر نفسه، وندم على تقدمه بالعمر، وقرر ان يعيد حساباته ويصبح ..."شابا"... ليستعيد زمن العزوبية الذي كان خلاله يرتشف الحب مع الجميلات اللواتي امتلكن كيانه، وغردن حباً وتيمناً بشعره:
مْنَعْرِفْ بِـ شِعْرَكْ رَاسِم تْكَاوِينْ
مْنَعْرِفْ بِـ شِعْرَكْ جَنِّت الْحِلْوِينْ
لَكِنْ، يَا حَسْرَه، مِسْتِحِي وْمَخْجُولْ
تْنَقِّي شِي حِلْوِه.. تْخَزِّق الْمَرْيُولْ
وِتْلَبِّسَا فِسْتَانْ وَرْد وْغَارْ!!
وْسَاعِتَا.. بْتْطَلِّقْ الدَّفْتَرْ
وْبِتْصِيرْ بَدَّكْ تِشْرَب وْتِسْكَرْ
وْخَلْف مِنَّكْ بَابَك مْسَكَّرْ
مِنْ رِيقْ أَنْقَى مِنْ نَبعْ كَوْثَرْ
مْنِ نْهُودْ أَغْلَى مْنِ الدِّنِي كِلاَّ
بْتِحْرُقْ صَابِيعْ اللِّي بْيُوصَلاَّ
وْكِلْ مَا انْحَرَقْت بْتِرْكَعْ لأَللَّـه
وْبِتْقُولْ بَدِّي إِنْحِرِقْ أَكْتَرْ
وْمِتْل الْفَرَاشِه إِنْتِحِرْ بِالنَّارْ
وتأرجحت حبيبة الشاعر المراهقة في ..."مرجوحة حبه"...، تلامس هدبه، وتعانق جسده، لتكون أسطورة حياته :
يَا مْدَهّبِه الشَّعْرَاتْ
وْلابْسِه الأَحْمَرْ
لا تْغَنْدرِي الْمَشْيَاتْ
بْتِسِحْرِي الأَشْقَرْ
وْيَا حُلْوِة الْحُلْوَاتْ
لَيْلِيِّه عَمْ إِسْهَرْ
تَا إِكْتُب حْكَايَاتْ
حُبِّك بْدَفْتَرْ
وكان ..."للسرير"... مكان خاص في قلب الشاعر، وبالأخص اذا كانت لحبيبته المشاركة فيه:
وْتَخْت مَفْرُوش بْحَرِيرْ
بْزَنْبَق.. بْوَرْد.. بْعَبِيرْ
اما ..."النهد"... فكان ..."خمرة الشاعر"... التي يستقي منها الهيام ليناجي حبه الولهان:
بِنْطُرْ السَّاعَه الْعَزِيزِه
بِشْبَع.. بْطَفِّي الْغَرِيزِه
بْخَمْرِة النَّهْد الْعَتِيقَه
أظهر الشاعر إحساساً مرهفاً في " مراهقة" على ..."الحزن"... الذي امتلك حبيبته، ورجاها الا تبكي لان قلبه سيقطر دماً على حزنها:
ليْش الْبِكِي؟!.. دْمُوعِكْ مَطَرْ
شُو اللِّي عَلَى بَالِكْ خَطَرْ؟!
...
بْيِكْفِي بِكِي.. قَلْبِي انْفَطَرْ
وْمَا فِي حَدَا قَدِّي انْقَهَرْ
...
شُو مْزَعّلِكْ؟.. إِنْتِي الْقَمَرْ
إِنْتِي السِّحرْ فِيكِي انْسَحَرْ
في ..."مراهقة"... كانت ..."لتشرين"... لمسة سحرية في حياة البعيني، الذي عشق الخمر، والنهدين، والبرد سوياً:
وكانت "لتشرين"... لمسة سحرية في حياة البعيني، الذي عشق الخمر، والنهدين، والبرد سوياً:
صَدْرِكْ.. قَاسِي وِمْحَجَّرْ
جِسْمِكْ.. أَحْلَى مْنِ الْمَرْمَرْ
بِتْذَكَّرْ لَيْلِه بْتِشْرِينْ
شْرِبْنَا مْنِ اللّذِه أَكْتَرْ
تَلْج.. وْكِنَّا بِرْدَانِينْ
بْيِنْقِصْنَا الْجَمْر الأَحْمَرْ
واحتلت ..."الفرفورة"... في ..."مراهقة"... مركزاً مرموقاً في حياة الشاعر الذي تغنى بجمالها:
فَرْفُورْتِي الْجَمِيلِه
يَا زْغَيَّرَه.. وْطَوِيلِه
...
فَرْفُورْتِي الْحَبِيبِه
أَعْمَالِك الْغَرِيبِه
و"النهد"...هو دائماً توأم للسكر عند البعيني:
بِشرب مِنْ نَهْدَيْكِ السّمْرْ
كَاسَيْن تْلاتِه وْأَكْتَرْ
تَخْت وْعَتْم وْمَوْقِدْ جَمْرْ
وْمَعْ أَطْيَبْ مَازَه بِسْكَرْ
وهناه وآهاته:
صَدْرِكْ جَبَلْ عَالِي
وْأَنَا التَّلْجَاتْ
عَـمْ دُوبْ بِلْيَالِي
هَنَا وْآهَاتْ
حِنِّي عَلَى حَالِي
...
صَدْرِكْ صَخرْ مَرْمَرْ
وْفِي تَلْتَيْن بْرُوحْ
تْرَابُنْ جِلدْ أَسْمَرْ
عْلَيْهُنْ تِجِي وِتْرُوحْ
نَسْمِةْ هَوَا شْمَالِي
...
نْهُودِكْ يَا أَحْلَى مْنِ الدِّنِي
بِرْكَعْلِك قْبَالُنْ سِنِه
و"الحب الدواء الوحيد"... الذي اعتمده البعيني لإطفاء ناره التي امتلكت كيانه:
لا تْخَيّبِي ظَنِّي
وْمَا تِنْطرِينِي شْوَيّْ
تا حَوِّش الرُّمَّانْ
الْـ دَاخِلْ الْجَنِّه
عَمْ تِقِتْلِينِي.. خْطَيّْ
لا تِقِتْلِي إِنْسَانْ
لا تِبِعْدِي عَنِّي!!
ونادى البعيني ..."حبيبته"... لينبهها ان لخواطر الحب والقبل الجارفة أثراً على جسدها:
مْعَلّمِه الْبَوْسَاتْ عَ خْدُودِكْ..
عَ شْفَافِك الْحَمْرَا.. وْعَ زْنُودِكْ
وْعَ مْطَارِح الْـ فِيهَا إِثَارَه كْتِيرْ
عَ أَتُون النَّارْ.. عَ نْهُودِكْ!!
...
بَدِّي بُوسِكْ تَحْت الرَّقْبِه
بَدِّي طَفِّي النَّار بْقَلْبِي
...
عَلِّي.. عَلِّي شْوَيِّه كِمِّكْ
وْشُو ما قَالِتْ أُوعَا يْهِمِّكْ
وتثور حبيبة البعيني على ..."الحساد"... الذين اتهموا حبيبها بالغدر ووصفته بالوفاء الكامل:
غَدَّارْ!!
مِينْ قَالْ عَنَّكْ هَيْكْ
وْإِنْت الْوَفَا بْعِينَيْكْ
وْإِنْت الْحَلاَ كِلُّو
وِعْلَيْك دَلُّوا عْلَيْكْ
نْجُومْ السَّمَا يَا جَارْ
وْبَعْدُنْ عَمِ يْدِلُّوا؟
وأبى البعيني الا ان يبني لحبيبته ..."منزلا من ضلوعه"... كحجارة له، وأزهاره فراش لها ليغفو بجانبها كعاشق متيم بنار الحب:
يَا حُلْوتي.. هَـ الدَّارْ
الْمَبْنِيِّه عَ حْفَافِي
مِنْ ضُلُوعِي حْجَارْ
بَيْتِك الْغَافِي
عَ فْرَاشْ مِنْ أَزْهَارْ
نَايِـم وْدَافِي
...
بَيْتِكْ.. أَنَا بْزُورُو
كِلّ يَوْم صُبْحِيِّه
بْتِتْسَابَق طْيُورُو
تَا تْطِيرْ حْوَالَيِّي
وِبْبَوِّس زْهُورُو
بِرْمُوش عِينَيِّي
تَا حَرْقِص شْفَافِي
ويثور البعيني على ..."الظلم والظلام"... وطالبهم ان يرأفوا بالبشر خوفاً من غضب الله وتيمناً بالمحبة:
لا تِظْلُم الْمَظْلُومْ أَكْتَرْ ما انْظَلَمْ
لَيْقُومْ أَللَّـه يِضِرْبَكْ
بِالآخْرَه.. وِيْعَذّبَكْ
وِتْصِيرْ تَعْرِفْ شُو الْمَحَبِّه.. وْشُو الأَلَـمْ؟
وما أجمل ..."شعر القرادي"... عند البعيني خاصة عندما يتغزل بحبيبته وبعينيها الجميلتين، ويصف تأثير الحب السرمدي عليها:
يَا حُلْوِه الْـ عَمْ بِتْصَلِّي
وْبِعْيُونِكْ حُبّْ
يِمْكِن بْعَصْر الْقِلِّه
مَا تْلاقِي شَبّْ
...
صَايِرْ سَكْرَان بْحُبِّكْ
مَقْطُوع الْحَيْلْ
وْعَمْ بِحْلَمْ إِنِّي بْقُرْبِكْ
وِالدِّنْيِي لَيْلْ
...
رْمُوش عْيُونِكْ يَا عْيُونِي
جَوْز بْوَارِيدْ
بِرْصَاصَاتُنْ رِمْيُونِي
وْزَتُّونِي بْعِيدْ
ويثورالبعيني على "قلبه" الذي خانه عندما زاد الدقات عشقاً وتيمناً بحبيبته رغم إلمامه بغرام الشاعر الذي كاد ان يجن منه:
شو كانْ بَدَّكْ يا قلْب منِّي
وعارِفْ غَرامي رَح يْجَنِّني
بُوقَفْ بِـ دَرْبا ما بْتِرْمي سْلامْ
بْقَرِّبْ لَحَدَّا.. بْتِبْتِعِدْ عَنِّي
ويصور "الشعور" الذي إعترى البعيني لحبيبته خلال سنين حياته:
متْل الكذبْ دِقَّيْت عَ بْوابي
شِفْتَكْ طفلْ.. ما عرفتْ إنتَ مينْ
تْلاعَبتْ فيّي متل شي طابِه
وْقِلّقِتْني بِعْيُون نِعْسانين
أكْتُبْ شعرْ تا فَرّح حْبابي
بْخيطان شِعري حَيِّك فْساتين